هل تعلموا من هو الصحابي الذي مات وحيدًا ويبعث وحيدًا ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
نور الإيمان يفعل المعجزات إذا ما أصاب قلب إنسان، فإنه ينقله من ذل المعصية إلى عز الطاعة، من الجور والاعتداء على خلق الله إلى خير مثال لعمارة الأرض واستخلاف الله لنا فيها، وهكذا فعل نور الإسلام في قلب هذا الصحابي الجليل فالإيمان يصبغ نفسية الإنسان بصبغة الكمال.
ولد هذا الصحابي الجليل في قبيلة غفار بين مكة
والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين
والتجار وأخذ أموالهم بالقوة، وكان هو ضمن قطاع الطريق، حتى أنه بلغ من
الجرأة أن يقطع الطرق وحده، ويُغير على الناس وسط النهار دون خوف.
مع ذلك كان رضي الله عنه في الجاهلية ممن
تألَّه، فعرف التوحيد من قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان
يقول: "لا إله إلا الله" ولا يعبد الأصنام حتى هداه الله إلى الإسلام،
ففطرته السليمة كانت تأبى أن يعبد الأصنام، وكان يضيق أشد الضيق بهذه
الأوثان التي تُعبد من دون الله، ويستنكر على قومه فساد معتقدهم.
إنه الصحابي الكريم أبو ذر الغفاري رضي الله
عنه الذي علم بمبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق إليه في مكة يكتم
سبب قدومه عن الناس حتى لقي الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأخبره
بأمره، فدخل به الإمام علي على رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم وطلب منه أبو ذر أن يعرض عليه الإسلام، ليدخل نور
الإيمان إلى قلبه وعقله وروحه فأسلم رضي الله عنه، وحثه النبي صلى الله
عليه وسلم على كتمان إيمانه حتى يسمع بظهور الإسلام وقوة شوكته، إلا أن أبو
ذر قال: والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم.
وخرج أبو ذر الى البيت الحرام وصرخ بشهادة
التوحيد بين الناس فكان أول من جهر بها في الإسلام قائلاً: "أشهد أن لا إله
إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"، فقام إليه المشركين يضربونه ليموت،
لولا أن الله تعالى أنقذه بسيدنا العباس رضي الله عنه بعد أن هددهم بقبيلته
غفار.
وعاد أبو ذر رضي الله عنه إلى قبيلته يدعوهم
إلى الإسلام حتى أسلمت قبيلته، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في
المدينة ومعها قبيلة أسلم، وحينها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله".
ومن شدة حرصه على الجهاد قيل أن أبو ذر في الطريق إلى غزوة تبوك تعثرت ركوبته فحمل متاعه ولحق بالجيش على قدمية.
أقام أبو ذر في باديته حتى مضت بدرٌ وأحدٌ والخندقُ، ثم قدم إلى المدينة، وانقطع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستأذنه أن يقوم في خدمته، فأذن له، ونَعِمَ بصحبته، وسَعِدَ بخدمته، وظلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثره ويكرمه، فما لقيه مرةً إلا صافحة، وهشَّ في وجهه وبشَّ .
لما لحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق
الأعلى لم يُطِق أبو ذر صبرًا على الإقامة في المدينة، بعد أن خلت من
سيدها، فرحل إلى بادية الشام، وأقام فيها مدة خلافة الصديق أبو بكر
والفاروق عمر رضي الله عنهما.
وفي خلافة سيدنا عثمان نزل في دمشق، فرأى من
إقبال المسلمين على الدنيا وانغماسهم في الترف ما أذهله، ودفعه إلى استنكار
ذلك، فاستدعاه عثمان إلى المدينة، فقدم إليها، لكن ما لبث أن ضاق برغبة
الناس في الدنيا، وضاق الناس بشدته عليهم، وتنديده بهم ونصحه لهم، فأمره
عثمان بالانتقال إلى الربذة، وهي قرية صغيرة من قرى المدينة المنورة، فرحل
إليها، وأقام فيها بعيداً عن الناس، زاهداً بما في أيديهم من عرض الدنيا،
مستمسكاً بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه من إيثار الباقية
على الفانية.
وصدق في أبو ذر نبوئه النبي صلى الله عليه وآله
وسلم حينما قال: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة
وحده".. فعندما حضرته الوفاة أخذت زوجته تبكي على حاله وكيف سيموت فقيرا
وحيدا بعيدا عن الناس، فقال لزوجته مبتسمًا أنه كان جالسًا مع رسول الله صلوات
الله وسلامه عليه وعلى آله وبعض الصحابة فقال الرسول: "ليموتن رجل منكم
بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين"، وقال لها أن جميع من حضروا ما
قاله الرسول ماتوا في جماعة، وأنا من بقيت.
وقال لها إذا أنا مت راقبي الطريق لأن عدد من
المؤمنين سيحضرون لدفني برغم فوات ميعاد الحج، وأنا كلي ثقة في نبوءة
الرسول فغسلوني وكفنوني وضعوني على قارعة الطريق.
ثم مات فكفنته زوجته وغلامه ووضعاه على قارعة
الطريق عسى أن يتكفل به من يمرون ببيتهم في الصحراء حتى مر سيدنا عبد الله
بن مسعود مع جماعة من مسلمي العراق وكادت قافتلهم تطأ جثة أبا ذر فقالت لهم
زوجته أن هذا صاحب رسول الله أبا ذر فساعدونا في دفنه فصلوا عليه ودفنوه وبكى عبد الله بن مسعود وقال: صدق رسول الله عندما قال فيك: "تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك".
وكان أبو ذر -رضي الله عنه- يحب الله ورسوله
حبًّا كبيرًا، فقد روى أنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول
الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، فقال له النبي: "أنت مع
مَنْ أحببت يا أبا ذر" فقال أبو ذر: فإني أحب الله ورسوله، فقال له النبي :
"أنت مع مَن أحببت"، وكان يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده (يسأل عنه) إذا
غاب.
وشهادة النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم
لأصحابه شهادة حق، لأنه لا ينطق عن الهوى، ولأنه عليه الصلاة والسلام لا
يعرف المحاباة والمديح، وقد قال عن أبو ذر: " ما أقلت الغبراء ولا اظلت
الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق