حصريا: رواية رحيق تحت الجلد بقلم نانا أحمد البارت السابع
الفصل السابع – "حديث بعد المواعيد"
اليوم مرّ ببطء غريب...
مش لأن الشغل كان كتير، لكن لأن ليان كانت كل شوية تبص على الساعة، وكل شوية تحاول تقنع نفسها إنها مش منتظراه...
مع إنها كانت منتظراه.
أما أدهم؟
كان بيمشي في المكتب وهو شكله طبيعي... لكن كل ما يعدّي من جنب مكتبها، عينه بتروح عليها غصب عنه.
هو أخد قراره بالفعل...
ولو ليان هتهرب، هو مش هيسمح لها تهرب كتير.
لما خلص الشغل، ليان كانت آخر حد بيجمع حاجته.
قلبها بيدق... إيديها بتتلخبط وهي تقفل اللاب.
سمعت الباب بيتفتح، صوت خطوات ثابتة...
ومفيش غير شخص واحد بيمشي كده.
أدهم.
وقف بعيد خطوة... كأنه بيديها مساحة.
— جاهزة؟
هي رفعت عينيها بتوتر:
— جاهزة لإيه بالظبط؟
قرب خطوة صغيرة...
نظره ما تهزش.
— للكلام اللي هربتي منه من امبارح.
نزلوا سوا لحد العربية.
الجو كان هادي... والهوى بارد شوية.
أدهم فتح لها باب العربية من غير ما يقول كلمة، لكن نظرته قالت كتير.
ركبت... وهو ركب جنبها.
لما العربية مشت، هي ابتدت تحس قلبها بيدق أسرع من صوت الماتور.
— هنروح فين؟
سألته بصوت واطي.
— مكان هادي... نقدر نتكلم فيه من غير ما حد يقاطعنا.
وبعد عشر دقايق بالظبط، وقف قدّام كافيه على النيل... إضاءة بسيطة، ومفيش زحمة.
المكان اللي بيختاره واحد عايز يسمع... مش واحد عايز يفرض.
قعدوا على ترابيزة جنب المية.
الهوى كان بيحرّك شعرها...
وهو كان بيتابع كل حركة من غير ما يقصد.
سألها بهدوء:
— ليان... إنتي خايفة مني؟
هي اتشدّت.
— خايفة؟ لا طبعًا...
لكن صوتها فضحها.
أدهم مالت شفايفه لابتسامة بسيطة:
— طيب خايفة من نفسك؟
هي سكتت...
وسكوتها كان اعتراف.
أدهم مسك الكوباية قدّامه، لفّها بين صوابعه من غير ما يبص لها، وقال بصوت هادي قوي:
— اللي حصل امبارح... ما كانش "صدفة شغل".
أنا حسّيت بحاجة... وإنتي كمان.
ومش هكذب على نفسي وأقول إن الموضوع عدّى.
هي بصّت له باستغراب وتوتر:
— بس ده غلط... وإحنا بنشتغل مع بعض... وأنا مش عايزة المشاكل دي.
قرب بصوته بس، من غير ما يقرب بجسمه:
— أنا مش جاي أعملك مشكلة... أنا جاي أفهمك.
أنا مش طالب منك حاجة...
غير إنك توقفي تهربي.
بصّت للمية...
حاولت تركز في أي حاجة غيره...
بس وجوده كان طاغي بطريقة تخوّف.
قال فجأة، بنبرة أخفّ لكنها صادقة:
— لو مش حاسّة بأي حاجة... قولي.
ولو حاسّة... قولي برضه.
بس اللي بيننا محتاج يبقى واضح.
هي رفعت عينيها له...
وفي اللحظة دي أدهم لمح الحقيقة:
الخوف...
والرغبة...
والحيرة...
وإحساس جديد هي مش عارفة تسميه.
ردّت بصوت يكاد يُسمع:
— أنا... حاسّة.
بس مش فاهمة.
أدهم أخد نفس طويل...
وكان صوته لأول مرة فيه دفء حقيقي:
— كفاية عندي إنك حاسّة.
والباقي... هنفهمه سوا.
وبينما هي بتبص له،
كانت دي اللحظة الأولى اللي ليان فيها اعترفت...
لنفسها حتى قبل ما تعترف له...
إن أدهم بقى جزء من قلبها.
وإن الهروب ما بقاش ينفع.
